فيلم “بنات عبد الرحمن” الأردني

يلقي فيلم “بنات عبد الرحمن” الضوء على العديد من القضايا المهمة في مجتمعنا بطابع درامي وكوميدي. طرح بجرأة أفكاره وعبَّر عن آرائه بشجاعة. جازف بملامسة الخيط الرفيع الفاصل بين النقد والانتقاد. حاول لم شمل تخبطات الهوية الاردنية “العمانية” -التي نادراً ما تم التعبير عنها في أعمال درامية مخصصة- دون محاولة التصرف بحيادية أو نيل رضا جميع أطرافها حولها. الأمر الذي قيد وصول هذا الفيلم إلى معظم شاشات المنازل الأردنية وأثار الجدل في الشارع الأردني الذي اختير موقعاً لتصويره.

حسناً، سأحاول باختصار القصة ومراجعتها لمن فضلوا إبقاء آذانهم نظيفة من ألفاظ “سماح”، ومبادئهم بعيدة عن تمردات “ختام”. تدور احداث القصة حول خروج الأب “عبد الرحمن” من منزله في أحد أحياء عمان “جبل الأشرفية” دون عودة. تجبر بناته الأربع (زينب، سماح، أمل، ختام) على الاجتماع تحت سقف بعد غياب طويل بلغ بين إحداهن 8 سنوات. لنرى خلال بحثهم الاختلاف الشديد في خلفياتهم التي قد تعيق عثورهم عليه.

كان من الواضح رؤية الصعوبة التي واجهت الكاتب والمخرج لإعطاء كل شخصية وزنها الصحيح في الفيلم دون الإخلال بتساوي الأدوار البطولية، ومع ذلك لم تشهد القصة اي محاولات لمنع قلب احدى كفتي الميزان على الاخرى تجنباً لإثارة الجدل، او إرضاءً للجميع، بين مجتمع زينب وأمل من جهة، وبين مجتمع سماح وختام من جهة اخرى. بل لاحظت قوة تسيير الأحداث لاستعطاف وجهة النظر الغربية تجاه مجتمع على حساب الآخر، خاصة عند ملاحظة الأثر الملحوظ لسماح وختام على التطور الايجابي لشخصيات أمل وزينب، مثل قدرة زينب على التصدي لنظرة المجتمع أو سعي أمل لحماية ابنتها، مقارنةً بالأثر الذي حدث بالاتجاه المعاكس.

على الرغم من الابتذال في بعض السطور التي سيطر عليها الطابع الخطابي، استطعت من الاتصال أكثر في شخصيات أمل وزينب عن غيرها من الشخصيات. واعجبني بشكل خاص دور الأخت الكبرى زينب الاقرب للوسيطة الروحية بين محيطها، والتي كان اختيار الممثلة “فرح بسيسو” متناغماً مع ملامحها. اثبت نجاح أدائها حجم المسؤولية الملقاة على عاتق الأخت الكبرى زينب، وتعايشها مع الأدوار التي فرضها عليها مجتمعها الشرقي، مما اضطرها للتضحية بعد وفاة والدتها.

اما بالنسبة لشخصيتي سماح وختام، فلم أستطع من الارتباط بمشاكلهما او من معرفة تفاصيل أكثر عن دوافع قراراتهما التي اوصلتهما الى ما هم عليه الآن. بدلاً من ذلك، غلب عليها السطحية دون الخوض في تفاصيلها، مما جعل من الصعب تصديقها. أستطيع تبرير هذا البعد في شخصية ختام كونها أصبحت تمثل مشاكل المجتمع الغربي بعد عودتها من غربتها، وبالتالي كان واضحاً آثار البعد بينها وبين اخواتها، بل وحتى بينها وبين المشاهد، ورغم جميع هذه المسافات اعتمد عليها الكاتب كمنحنى رئيسي في قصته. اما سماح، فلم أجد اي تبرير لسطحيتها التي غلبها البذاءة، دون توفير تبرير مباشر لسلوكياتها التي ساهمت برفع الفئة العمرية للفيلم الى ما فوق ال١٨ بنجاح. الا ان ابداع النص لم يهدف الى توفير تبريرات لأي من شخصياته بقدر تركيزه على أحداث القصة الرئيسية، مما ساهم بإثارة الفضول لدى اغلب المشاهدين للتعمق أكثر في أبعاد هذه الشخصيات وفتح باب التأويل والتفسير المبني على خلفياتهم.

كم احببت الاختيارات الذكية لبعض الرموز المادية في الفيلم. كموقع لقاء بنات عبد الرحمن الأول بعد غياب والداهم، دلالة على إحدى العوامل المشتركة المستجدة بينهم والقادر على جمعهم سوياً وهو الشارع. و حالما يصبحون تحت سقف واحد (كالسيارة أو المنزل) تبدأ الخلافات بالظهور. أو التعبير بواسطة قطع القماش الصغيرة التي اعتادت زينب على جمعهم من ملابس زبائنها عن الأسرار التي تُفصح أمام ماكينة خياطتها. او حتى ضوء باب منزل العائلة الذي نجح بإقناعنا بانه يعمل بالمستشعر الحسي لا الحركي كما زعم الكهربائي الذي ركبه. كل هذه التفاصيل البسيطة ساعد بطريقة ملحوظة على رفع جودة العمل ككل، والمساهمة بإيصال الرسالة الإنسانية المرادة عبر العالم المرئي للقصة بصورة أفضل.

من ناحية اخرى لم يخل الفيلم من محاولات مدروسة لإثارة الجدل حول بعض الرموز الدينية مثل النقاب. وعلى الرغم من تجنب الكاتب إخراجها عن السياق في اغلب الاماكن الا ان البعض اعتبرها محاولات للهجوم على هذه الرموز وتهديد للمعايير الاخلاقية للمجتمع داخل وخارج صالة السينما، خاصة بعد الاشارة اليه بحوارات عديدة غلبها الصراخ والاستهزاء احياناً من قبل بعض الشخصيات الرئيسية والثانوية في الفيلم.

كم شعرت بالفخر عندما سمعت عن عمل درامي أردني يسلط الضوء على مشكلة زواج القاصرات التي تعاني منها مجتمعاتنا العربية في ظل حماية القانون. ولا شك أن صبا مبارك أثارت إعجابنا بأدائها عندما دافعت عن ابنتها البالغة من العمر 15 عامًا وعبرت عن خوفها عليها من وراء النقاب. ولكن بعد مشاهدتي لكامل السياق الذي أتى فيه هذا التسليط، لم تكتمل فرحتي، خاصة بعد تصوير سلوكيات هبة تحت رضا خالتها “الكول” ختام. مما يعطي مساحة لتبرير دفاع سعيد عن زواج ابنته المبكر.

لست متأكد من سبب غلوب الطابع النسوي على اغلب الاعمال السينمائية الاردنية في الآونة الأخيرة، والمحاولات المستمرة لتصدير الرجل الاردني على انه ذكوري متوحش كما ظهر في العديد من المشاهد. هل اتى هذا الغلوب كردة فعل انتقامية من سيطرة الاعمال البدوية على الدراما الاردنية لسنين عديدة؟ وهل نجح الذكر بإثبات رجولته خلال هذه الأعمال أم لا؟ لا أستطيع الإجابة عن هذه الاسئلة – كوني بعيد عن هذه الأعمال- ولكن أستطيع التأكيد بأن القصص والأحداث التي تعاني منها نساء مجتمعنا أكثر انسانية من غيرها، مما يجعلها بيئة خصبة لاحتضان الدراما الأردنية المعاصرة في مراحل نموها الاولى.

كم تمنيت ان تكون بعض الاعمال الاردنية التي احتلت الساحة مؤخرا مناسبة للعرض على شاشات منازلنا، خاصة عند اتخاذ شوارعنا التي ساهمت بصنع ذكرياتنا، واحيائنا التي حملت معاناتنا، مقراً لإنتاجها. لكن من الواضح أن بعض هذه الأعمال لا تهدف إلى إرضاء الجمهور المحلي بقدر ما تهدف إلى كسب رضا الجمهور الغربي عنا بقيادة الأب الروحي “نتفليكس”. أعتقد أن للسينما قدرة هائلة على التأثير في المجتمعات، ولكن تَفقد هذه الأعمال قدرتها عند محاولتها لإهانة عرق او جنس او ديانة أحد الجالسين على مقاعد السينما. أتفهم ان إرضاء الجميع غاية لا تدرك، ولكن من الواجب التذكير دوما بتجنب خلق مساحات جديدة للتطرف عند انجاز اي عمل كان وعدم المساهمة بإشعال شرارة الفتنة في المجتمع، وعدم استغلال شاشة عرض السينما لإشباع الرغبات الانتقامية لدى البعض.

الفيلم الوثائقي “رحالة وجدار” للمخرج الفلسطيني سمير قمصية .. لغة مشتركة ومعاناة واحدة

الفيلم الوثائقي “رحالة وجدار” للمخرج “سمير قمصية” هو إفصاح عن مكنونات عميقة تجوب أعماق كل إنسان حر اعتاد على الترحال والهجرة كأسلوب حياة للتعايش مع استبداد الحدود الجغرافية والفكرية على عالمنا. لا يقتصر هذا الفيلم على سرد قصة صانعه (سمير) الذي عبر بوضوح ودقة عن المعاناة التي يعيشها أي فلسطيني تجرأ على الحلم بالسفر حول…

فيلم “الحارة” الأردني

من الصعب إنكار الفجوة المتزايدة بين طبقات المجتمع الأردني وتضاؤل التداخل بينها في الحياة اليومية. أصبح المجتمع الأردني يحتوي على عوالم متعددة متواجدة في نفس الزمان والمكان، ولكن نادرًا ما تحتاج ان تخالط بعضها البعض. إلى أن أصبح اظهار تفاصيل أحد العوالم للعوالم الاخرى يشكل صدمة من الصعب تقبلها وبالتالي محاولة إنكارها كردة فعل طبيعية…

تصميم موقع كهذا باستخدام ووردبريس.كوم
ابدأ