الفيلم الوثائقي “رحالة وجدار” للمخرج الفلسطيني سمير قمصية .. لغة مشتركة ومعاناة واحدة

الفيلم الوثائقي “رحالة وجدار” للمخرج “سمير قمصية” هو إفصاح عن مكنونات عميقة تجوب أعماق كل إنسان حر اعتاد على الترحال والهجرة كأسلوب حياة للتعايش مع استبداد الحدود الجغرافية والفكرية على عالمنا. لا يقتصر هذا الفيلم على سرد قصة صانعه (سمير) الذي عبر بوضوح ودقة عن المعاناة التي يعيشها أي فلسطيني تجرأ على الحلم بالسفر حول العالم. علاوة على ذلك، أخبرنا سمير عن كثب عن شخصيات الفيلم المختلفة والتي اختارها بعناية خلال رحلته لتمثل نماذج مختلفة في عالمنا ممن تشاركوا في نمط الحياة هذا، قسرًا أو طوعًا.

تم تصوير الفيلم الوثائقي “رحالة وجدار” عبر عدسة سمير من دول مختلفة حول العالم، مثل الأمازون والدنمارك والسويد، واليونان، وجزر الكناري، وفلسطين. لذا يمكنكم تخيل مقدار الجهد الذي بذله خلال ٣ سنوات لإنتاج المادة الخام لهذا الفيلم بواسطة كاميرا وحقيبة ظهر فقط. حتى رأى هذا الفيلم الضوء في عام ٢٠٢٠ ليجوب صالات عرض العديد من المهرجانات السينمائية العالمية ويحصد العديد من الجوائز، ليصل اليوم بعد عامين من إنتاجه الى شاشاتنا عبر منصة اليوتيوب، مجانًا للجميع.

إذا كنت تتوقع، عزيزي القارئ، من أن يكون هذا الفيلم الوثائقي مجرد استغلال لجماليات التضاريس الطبيعية، إظهاراً لمدى براعة المصور ومهاراته “المونتاجية” مع بعض من الموسيقى الحماسية لإلهام الجمهور للسفر و “الخروج من منطقة الراحة” كما عودنا بعض “اليوتيوبرز” حصدًا للمشاهدات والاعجابات على حساباتهم. فمن الأفضل أن توفر على نفسك عناء مشاهدته. وانصحك بمواصلة مشاركة مقاطع “الدرون” للشواطئ اليونانية المصفاة من الألوان الطبيعية عبر “الستوري” الخاصة بك على الإنستغرام.

وذلك لأن فيلم “رحالة وجدار” فيلم وثائقي سينمائي بامتياز، يلقي الضوء بشكل فريد على تداعيات جدار الفصل العنصري بين دولة فلسطين واراضيها المحتلة، والذي بنته دولة الاحتلال الصهيوني عام ٢٠٠٢ وأسمته بـ”الحاجز الأمني” بطول ٤٠٢ كم وبارتفاع يصل إلى ٩ أمتار. وذلك لمنع دخول سكان الضفة الغربية الفلسطينيين إلى أراضيها المحتلة أو المستوطنات الإسرائيلية القريبة من الخط الأخضر. وبالتالي، يصبح المطار الوحيد المتاح للفلسطينيين للدخول أو الخروج من بلادهم يقع في أراضي دولة الاحتلال، مع سيطرة الاحتلال الكاملة على تنقل أي مسافر من فلسطين وإليها.

كما يتناول فيلم “رحالة وجدار” إعادة تعريف “الحدود” كوسيلة استبدادية تستخدم لفرض التوسع الجغرافي على حساب الفصل العنصري، وتأثير هذه “الحدود” على الشعوب في شتى أنحاء الأرض باختلاف أعراقهم، ومحاولات بعضهم من التخلص من هذه السيطرة التي تمكنت من التغلغل إلى أفكارهم وعلاقاتهم قبل أجسادهم. خلال الفيلم، نرى سعي شخصياته الدائم للتغلب على هذه السيطرة باللجوء إلى مغادرة أوطانهم للأبد او الانتقال الجغرافي المؤقت من منطقة الى أخرى، كأحد الوسائل القليلة المتاحة أمامهم للتعبير عن رفضهم لها. مكونين بذلك مجتمعاتهم الصغيرة حول العالم، مما مكنهم من تعزيز شعورهم بالانتماء لبعضهم البعض، بدلاً من تعزيز هذا الشعور من خلال الانتماء إلى الحكومات والسلطات الاستبدادية.

نجح الفيلم بكل ثقة في اظهار معاناة المواطن الفلسطيني بشكل خاص في التنقل داخل وخارج بلده في ظل القيود التي فرضها “جدار الفصل العنصري”، خاصة بعد تمكنه من تصوير لنقاط جغرافية معينة على الجانب الفلسطيني من هذا الجدار يصعب على عدسات الكاميرا عادةً الوصول إليها. ولكن لم يكتف صانع الفيلم سمير بإظهار معاناة الفلسطينيين فحسب، بل نرى انه قد تشارك بهذه المعاناة مع غيره من الجنسيات، صادفهم خلال رحلته، لا يواجهون جدرانا بهذا الطول في بلادهم، او يمتلكون جوازات سفر بهذا الضعف. موضحاً لنا أن في الصورة الكبيرة توجد سياسة ومنهجية عالمية تروج للتمييز والعنصرية بوسائل استبدادية تسعى إلى محو الهوية الإنسانية واستبدالها بهويات وأرقام مطبوعة، أصبحت تشكل جدراناً فكرية بين البشرية دون وعي منها.

لست متأكداً مما إذا كان هذا الفيلم سوف يروق لكل من يسمي نفسه بـ “مواطن إسرائيلي” بشأن سياسة بلاده في فرض سيطرتها على الأراضي الفلسطينية المحتلة، لكنني متأكد من أن السياق الذي عبر فيه سمير عن معاناة الفلسطينيين في هذا الفيلم يتناسب تماماً مع الحقيقة التي لطالما حاولت دولة الاحتلال إخفائها عن المشهد العام. لذا يمكنني القول بأن فيلم “رحالة وجدار” قد نجح بكل انسانية من إيصال معاناة الشعب الفلسطيني للعالم. خاصة عندما يشترك أحد مواطنيها مع غيره من الجنسيات في نفس الأحلام والتطلعات البسيطة “كالسفر حول العالم”، وإظهار التميز الذي يحصل عليه الفلسطيني حصرياً عن غيره من البشر عند الحدود والمعابر وابواب الطائرات، بسبب امتلاكه لمجموعة من الأوراق التي تحدد هويته وامكانياته على هذه الأرض.

تعجبت من القدرة التي بحوزة شخص واحد فقط لإنتاج مثل هذا العمل الفني الذي عبر عن مكنونات عميقة داخل اي انسان حر بكل بساطة، ولم يلجأ سمير سوى لمشاركة حلمه والعقبات التي واجهته أثناء سعيه لتحقيقه عبر عدسة كاميرته فقط. ليتمكن من إيصال رسالته بكل حيادية ويسر الى شتى انحاء الارض، مبتكراً بذلك لغة مشتركة تمكنه من الاتصال مع غيره من البشر بكل سلاسة. دون اللجوء إلى المشاهد الدموية التي اعتدناها على شاشاتنا كمحاولة لاستعطاف الغرب حول القضية الفلسطينية كما نجحت في اثارة مشاعرنا حتى اعتدناها.

وتساءلت ..

ماذا لو كان لدى سمير المزيد من الموارد لإنتاج مثل هذا العمل، فهل كان سيتمكن من إيصال رسالته بهذه الطريقة العفوية؟ وهل كان لاستغلال الموارد القليلة المتاحة له الأثر إيجابي على مدى إبداعه في هذا العمل؟ ولماذا يغرق معظم صانعي الأفلام في التفاصيل والتقنيات التي لا تخدم الغرض الرئيسي من القصة؟

بدأت كل هذه الأسئلة وغيرها تطفو في رأسي مجددا بعد مشاهدة هذا العمل الفني، مما ألهمني للتمسك أكثر بالكاميرا والقلم كأحد الوسائل القليلة المتبقية لنا للتعبير بحرية على هذه الأرض.

فيلم “بنات عبد الرحمن” الأردني

يلقي فيلم “بنات عبد الرحمن” الضوء على العديد من القضايا المهمة في مجتمعنا بطابع درامي وكوميدي. طرح بجرأة أفكاره وعبَّر عن آرائه بشجاعة. جازف بملامسة الخيط الرفيع الفاصل بين النقد والانتقاد. حاول لم شمل تخبطات الهوية الاردنية “العمانية” -التي نادراً ما تم التعبير عنها في أعمال درامية مخصصة- دون محاولة التصرف بحيادية أو نيل رضا…

فيلم “الحارة” الأردني

من الصعب إنكار الفجوة المتزايدة بين طبقات المجتمع الأردني وتضاؤل التداخل بينها في الحياة اليومية. أصبح المجتمع الأردني يحتوي على عوالم متعددة متواجدة في نفس الزمان والمكان، ولكن نادرًا ما تحتاج ان تخالط بعضها البعض. إلى أن أصبح اظهار تفاصيل أحد العوالم للعوالم الاخرى يشكل صدمة من الصعب تقبلها وبالتالي محاولة إنكارها كردة فعل طبيعية…

تصميم موقع كهذا باستخدام ووردبريس.كوم
ابدأ